الدكتور أحمد فؤاد أنور
الدكتور أحمد فؤاد أنور


الدكتور أحمد فؤاد أنور يكتب: التوظيف السياسي للإعلام الإسرائيلي ضد مصر

بوابة أخبار اليوم

الإثنين، 19 سبتمبر 2022 - 09:47 م

ترتكن تل أبيب في أزماتها مع مصر على سياسة الهروب للأمام وخلط الأوراق ودس السم في العسل، مؤخرا طرحت خبيرة إسرائيلية محنكة في الشؤون العربية -سمدار بيري- سؤالا خبيثا عبر يديعوت أحرونوت أكثر الصحف الإسرائيلية انتشارا: هل مصر في حاجة لإسرائيل؟ وهو ما ترتب عليه بالضرورة سؤالا آخر يطرح نفسه: هل لدى إسرائيل ما تقدمه للقاهرة؟ هذا ما سنحاول أن نجيب عليه مع توضيح دلالة توقيت طرحه في المساحة التالية.


بداية لا يمكن أن ينكر أي طرف من الأطراف الإقليمية والدولية النجاحات المتكررة لمصر في تحجيم نيران الاشتباكات الدامية بين جيش الاحتلال والفصائل الفلسطينية في وقت سريع، وقدرة القاهرة على إخماد النيران قبل أن تمتد وترتفع أكثر وربما تخرج عن السيطرة. فقد حاولت دول عديدة التوسط وبذل المساعي والجهود في جولات الاشتباك الأخيرة وقبلها في العام المنصرم، ولم تفلح سوى الجهود المصرية في تحقيق أهدافها.


في المقابل وحسب إقرار كاتبة المقال الأخير لا يوجد ما تستطيع إسرائيل أن تقدمه لمصر ولشعب تخطى ال107 مليون نسمة، ومصر التي تلتزم بتعهداتها الدولية وبالمواثيق الدولية لديها دوما مباديء راسخة وإرثا تاريخيا ومسئوليات قومية وعربية، ومصر كذلك لديها قدرات فذة وفريدة تؤهلها دوما لتخطى أعتى الأزمات، وأكثرها تعقيدا. خاصة بعد معارك لسنوات ضد الإرهاب والإخوان بأذرعهم المختلفة وأبواقهم وداعميهم انتهت بترسيخ إرادة الشعب وانتصاره وفرض ارادته على من أرادوا اختطاف الوطن في لحظة اعتقدوا أنها مواتية شابها الارتباك.


 
بنظرة غير موضوعية تتعامل تل أبيب مع التوتر غير الخفي الذي يسود العلاقات مع القاهرة منذ أسابيع فصانع القرار الإسرائيلي يهرب للأمام بدلا من تقديم الحلول أو بالاحرى الكف عن التنصل بالتعهدات والوعود على صعيدين الأول: هو ملف رفات الجنود المصريين الذين تحدثت تقارير إسرائيل عن حرقهم أحياء ودفنهم في مقبرة جماعية قرب القدس خلال حرب 1967، ويتوجب على إسرائيل أن تقدم اجابات منطقية وسريعة وتتخذ اجراءات ملموسة في هذا الملف دون تأخير. والصعيد الآخر هو الالتزام بتعهدات كانت محور الجهود المصرية الناجحة الرامية لوقف إطلاق النار وتثبيته؛ والحديث هنا عن الافراج عن قائد الجهاد في الضفة المتقدم في السن بسام السعدي، وعن المعتقل إداريا المضرب عن الطعام خليل العواودة.. وكانت إسرائيل قد أعلنت عن موعد -2 أكتوبر- لاطلاق سراحه الأمر الذي حقق انفراجه نسبية في الأزمة.  


نفس النظرة غير الموضوعية تبنتها الكاتبة الإسرائيلية حين أعادت نشر مزاعم المعارضة المصرية حول المشروعات الوطنية الكبرى (التي تقض مضجع كل كاره لمصر لأنها واقع ملموس على الأرض، وتخدم كل المصريين بشكل راقي غير مسبوق، وتم تدشينها في زمن قياسي) دون أن تفسح المجال لرد عليها من خلال موقع هيئة الاستعلامات مثلا أو من خلال كتابات باحث وطني، أو كاتب مستقل. وسبق لنفس الكاتبة أن هاجمت الصحافة المصرية لمواقفها القوية من العدوان الإسرائيلي المتكرر على المدنيين في غزة والضفة واستخدام القوة المفرطة، بل ووصل الأمر إلى حد مهاجمة السيد الرئيس باعتباره غير صديق، ولكونه ينظر لإسرائيل عبر نظاره عسكرية. وهو ما يعبر عن مواقف تتغيى لفت الانتباه في المقام الأول، وعرقلة الجهد المصري الرامي لتحقيق الاستقرار الشامل والعادل والدائم.    


الكاتبة هي سمدار بيري ذات الأصل البولندي والعلاقات الممتدة مع المؤسسات السياسية والأمنية في إسرائيل، وهي تسير على درب جدودها الذين خدموا في الكتيبة المحاربة من أجل اللغة العبرية وفرضها على اليهود في فلسطين تحت الانتداب من بينها القوة! وهي منذ 1980 متخصصة في الشأن المصري التقت في حوارات صحفية مطولة بالرئيس أنور السادات، والرئيس مبارك -مرارا وبشكل دوري بلغت 4 لقاءات في عام واحد- بالاضافة لعدد من القادة العرب البارزين من بينهم الملك حسين. وربما يفسر هذا سر تصويرها الأزمة الاقتصادية العالمية وكأنها تعصف فقط بمصر، مطالبة المسئولين في تل أبيب بعدم مهاجمة مصر.

 

وهي تعلم أن مصر لا تحتاج لمثل الطنطنات، وأن المطلوب فقط هو: الكف عن سياسة المرواغة والتنصل من الالتزامات احتراما لرأي عام فطن، لم ينس أن الموقف الحقيقي لتل أبيب والذي تم توظيف الإعلام الإسرائيلي لخدمته هو مهاجمة مصر 30 يونيو، والرئيس عبد الفتاح السيسي، بتنبني رواية منصة رابعة، وتصوير رمز ثورة يونيو على أنه جنرال في متاهة، لن يستطيع أن يخرج منها!! وهو التفكير بالتمني الذي يكشف خفايا الصدور وحجم التحالف مع جماعة الإخوان المسلمين التي انضوى فرعها في أراضي ال48 تحت الائتلاف حكومي إسرائيلي الأمر الذي أحدث شرخا كارثيا في القائمة المشتركة وأدى في النهاية لتفككها.


  الخلاصة سبق لإسرائيل أن وظفت إعلامها لتشويه المسيرة الإصلاحية المصرية وساهم في ذلك بنيامين نتنياهو بشكل مباشر حين تولى رئاسة الوزراء ومنصب وزير الاتصالات، وأسس أصدقاء مقربون له جريدة يسرائيل هيوم المجانية للدفاع عنه والدعاية لمواقفه، ومهاجمه خصومه. وهذه المرة تستخدم تل أبيب صحفية اعتادت أن تكون لها أفضلية عند مخاطبة الرئيس مبارك للرأي العام الإسرائيلي، وقد سعى الرئيس الراحل لنقل رسائل عبرها للساسة في إسرائيل وللرأي العام هناك أيضا. وهو دور ربما تتوق للعودة إليه من باب تضخيم حجم الأزمة التي يعاني منها العالم في أعقاب جائحة الكورونا، والحرب في شرق أوكرانيا. وسبق للحركة الصهيونية الخلط بين العنف والإعلام وتوظيف الثقافة لأغراض سياسية مثلما حدث من كتيبة المدافعين عن اللغة العبرية، والتي بلغت ذروة نشاطها من 1923- 1936 حيث كانت تروج لنشر اللغة في المؤسسات التعليمية من خلال عدة سرايا من بينها سرية عسكرية وسرية دعائية. ومنعت بالقوة كل من رغب في التحدث بغير العبرية في مناسبات عامة!!


القاهرة التي داخليا أنهت حالة الطواريء، ثم سارعت بحوار وطني، وأطلقت أفواجا من الافراجات بعفو رئاسي، وخارجيا: تمد يدها بمبادرات سلام منذ 2015 دعما للفلسطينيين، وتمكنت من التوصل لصيغ تعاون في ملف الغاز، وقبله بشأن ادخال تعديلات في الملحق الأمني لكامب ديفيد، بما يتيح قدرة أنجع على مواجهة الإرهاب في سيناء،  لا تلتفت لضغوط أو إحراج، وتعرف كيف تدافع عن مصالحها وحقوقها، وكيف تدير أزماتها، كما أنها لا تتخوف من عودة اليمين الإسرائيلي كورقة ضغط على مصر قبيل انتخابات نوفمبر القادم في إسرائيل، فلمصر خبرة طويلة وقدرة على التعامل مع اليمين، بل وانتزعت في عهده حقوقها في سيناء، كما استعادت طابا.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة